الجنود من الشمال... أين هم من المعركة؟ إستراتيجية فرق تسد بين الفصائل المسلحة: من هو شيبة ضرار؟ ولماذا يتم استخدامه الآن؟

 التعيينات الجديدة في بورتسودان: بين استغلال العرقية وتفكيك الهوية القومية

مركز الحقيقة والمعرفة – الكاتب الكرتي
رابط المركز: https://h-alkrty.blogspot.com


مقدمة

في خطوة جديدة تعكس مسار السلطة في السودان ما بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، قام المدعو كامل إدريس – الذي يُتهم بكونه أحد واجهات "مجلس المافيات الإجرامية" المتمركز في بورتسودان – بتعيين الجنرال الفريق حسن داؤود كبرون، المنحدر من جبال النوبة، وزيرًا للدفاع في حكومة الأمر الواقع. هذه التعيينات لم تأتِ بمعزل عن السياق السياسي والعسكري القائم، بل جاءت كجزء من استراتيجية مقصودة تهدف إلى إعادة هندسة الاصطفاف العرقي والمناطقي، والزج بأبناء الهامش – وبالأخص من النوبة – في أتون حرب لا تخدم سوى تحالف الشر بين العسكر ورموز المافيات.


خلفيات التعيين المشبوه

الجنرال كبرون، المنتمي عرقيًا إلى نفس الخلفية الإثنية التي ينتمي إليها قائد الحركة الشعبية – شمال، عبد العزيز الحلو، تم تعيينه في هذا المنصب الحساس بهدف محدد وواضح: استقطاب أبناء النوبة من جنوب كردفان للمشاركة في قتال إخوانهم في صفوف الحركة الشعبية، والدفع بهم في جبهات الموت إلى جانب مليشيات الدعم السريع وتحالفات السلطة البورتسودانية، تحت شعارات زائفة مثل "حرب الكرامة" و"السيادة الوطنية".

إن هذه التعيينات تُعبّر عن سياسة قديمة متجددة، قوامها تفتيت نسيج المجتمعات المهمشة، وإغراق الهويات الإثنية في مستنقع الحرب الأهلية، بينما يحتفظ قادة المافيات والقوات النظامية بأبناء مناطقهم في مواقع آمنة.


الجنود من الشمال... أين هم من المعركة؟

تشير التقارير الميدانية أن أكثر من 13 ألف ضابط وجندي من أبناء ولايتي نهر النيل والشمالية – وهما المنطقتان اللتان تمثلان معقل النخب السياسية والاقتصادية القديمة – قد تخلوا عن الخدمة العسكرية منذ اليوم الأول لاشتعال الحرب، واختفوا من المشهد تاركين أبناء الهامش من النوبة ودارفور والأنقسنا لمواجهة مصيرهم على خطوط النار. العديد منهم فرّ إلى دول مثل المغرب، مصر، الأردن، وتركيا، حيث يملكون قصورًا فاخرة بنيت من أموال الفساد.

أما رأس السلطة نفسه، عبد الفتاح البرهان، فقد هرّب عائلته إلى تركيا، حيث توفي أحد أبنائه في حادث مأساوي بعد تعاطيه المخدرات وقيادة دراجة نارية، في مشهد يعكس حياة الترف المنفصلة عن واقع الحرب والدماء.


إستراتيجية فرق تسد بين الفصائل المسلحة

من جهة أخرى، تعمل هذه السلطة على إشعال الفتنة بين فصائل "القوات المشتركة"، خاصة في شمال دارفور، بين حركة تمبور من جهة، وحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي من جهة أخرى. ويتم ذلك باستخدام الأدوات الأمنية والإعلامية لزرع الشكوك والانقسام، بهدف إضعاف أي وحدة محتملة بين أبناء دارفور في وجه المركز المافيوي.

كما يتم استخدام بعض الشخصيات الإعلامية مثل الصحفية عائشة الماجدي والناشط شيبة ضرار، كأدوات لتشويه سمعة قادة الحركات المسلحة، عبر حملات ممنهجة تهدف لتصويرهم كعملاء وطامعين في المناصب، بينما هم في الواقع يطالبون بتمثيل عادل وشراكة حقيقية.


من هو شيبة ضرار؟ ولماذا يتم استخدامه الآن؟

ينتمي شيبة ضرار إلى قبيلة الهدندوة، وهي واحدة من كبرى القبائل البجاوية التي تسكن شرق السودان وتمتد إلى إريتريا. للهدندوة تاريخ طويل ومعقد، يتميز بتركيبة اجتماعية وثقافية فريدة، وتماسك قبلي يقوم على النسب والقرابة. لكن رغم هذا التاريخ، تعاني القبيلة من انقسامات داخلية حادة، وصراعات سياسية بين فروعها المختلفة، كما توجد توترات بينها وبين مكونات بجاوية أخرى، مثل البني عامر والحلنقة.

ويُستغل شيبة ضرار اليوم كأداة لتلميع صورة السلطة في بورتسودان، والترويج لخطاب قومي زائف يتستر على المشاريع العرقية العنصرية التي تقودها السلطة من وراء الكواليس.


قبيلة الهدندوة: إرث تاريخي وأدوار متباينة

قبيلة الهدندوة التي تنتمي إلى الفرع الكوشي من حيث اللغة (التبداوية)، تتوزع على مساحة جغرافية واسعة تمتد من خشم القربة حتى سواكن وكسلا، وتمتاز بتقاليدها في القيادة والزعامات الدينية والعسكرية. وقد لعبت دورًا هامًا في المهدية، ومن أبرز رموزها القائد الشجاع عثمان دقنة.

لكن رغم عراقة القبيلة، فإن الاستغلال السياسي لبعض أبنائها، واستخدامهم كأدوات لتمزيق الصف الوطني والبجاوي، ساهم في تراجع تأثير القبيلة كقوة موحدة، وأدى إلى تغذية الانقسامات بدلاً من تجاوزها.


ختام

إن ما يجري في بورتسودان هو إعادة تدوير لأدوات الاستعمار الداخلي، حيث يتم استخدام أبناء الهامش، لا سيما من النوبة ودارفور والشرق، كحطب لحروب لا تخدم سوى قادة المافيات واللصوص الذين يقتاتون على دماء الأبرياء.

التعيينات الأخيرة لا تعبر عن أي نية لإصلاح المؤسسة العسكرية، بل تعكس تصميمًا على إعادة إنتاج دولة العرق الواحد، والجهة الواحدة، والسلطة الأحادية. إنها حرب تُخاض باسم الكرامة، بينما هدفها الحقيقي هو سحق الكرامة الإنسانية وتكريس التهميش والتبعية.


رابط مركز الحقيقة والمعرفة:

الكاتب: الكرتي

الكرتى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حسن البرهان، شقيق عبد الفتاح البرهان، جمع ثروة طائلة تقدر بأكثر من 93 مليون دولار أمريكي

The Atrocity Crime Prevention in International Criminal Law (1-3) - Atrocity crimes are the most serious crimes of concern in the international community

أثار البيان الأخير الصادر عن "الأمانة العامة للحركة الإسلامية السودانية"، والذي يدعو إلى "الجهاد نصرةً للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، استغراب المراقبين، وطرح تساؤلات جدية حول تورط عبد الفتاح البرهان وتحالفاته مع طهران.