من أجل ماذا يقاتل السودانيون الأفارقة ويموتون؟ أدوات النظام وسياساته الإرهابية: انتهاكات حقوق الإنسان (1956–2023): سجل دموي
تحليل شامل للنزاع في السودان: الجذور، الآثار، وسبل الحل
مقدمة
يتناول هذا التقرير الصادر عن مركز الحقيقة والمعرفة النزاع المتفاقم في السودان، مستعرضًا جذوره التاريخية والسياسية، وكاشفًا عن السياسات التي أسهمت في تعميق معاناة الشعوب السودانية، لا سيما المجتمعات الأفريقية السوداء في الأقاليم الطرفية. ويبرز التقرير الدور المحوري الذي لعبته الأنظمة السياسية المتعاقبة، ولا سيما نظام "الجبهة الإسلامية"، في إذكاء نار العنف، وتعزيز الانقسامات، وتنفيذ سياسات تمييزية ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
من أجل ماذا يقاتل السودانيون الأفارقة ويموتون؟
إن التساؤل الجوهري "من أجل ماذا يُقتل السود في السودان؟" يسلّط الضوء على طبيعة الصراع. فالمسألة لا تتعلق بشرف القتال أو كرامة وطنية، بل بإستراتيجية منظمة تستهدف تفكيك المجتمعات عبر سياسات تطهير عرقي، تعقيم قسري، واستخدام أسلحة بيولوجية وكيميائية ضد جماعات بعينها. هذه الممارسات تشير إلى حملة إبادة جماعية ممنهجة تتطلب تحركًا دوليًا عاجلاً.
إرث الجبهة الإسلامية: العنف والتضليل
ترك نظام الجبهة الإسلامية بصمة قاتمة في الذاكرة السودانية، قوامها العنف، التضليل، الفوضى، والاغتيالات السياسية. إذ اعتمد على إذكاء النزعات القبلية، واستغلال الانقسامات العرقية لإشعال الحروب، بما يخدم مصالح نخبوية وعرقية ضيقة.
أدوات النظام وسياساته الإرهابية
من أبرز أدوات النظام:
-
المليشيات القبلية التي جرى تسويقها كقوات نظامية، مثل الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية، وهي في الواقع منفذة لسياسات الفصل العنصري والتصفية العرقية.
-
التحالف مع تنظيمات إرهابية عالمية: مثل القاعدة، حماس، حزب الله، وداعش، والتي وُجدت لها حاضنة في السودان بفضل دعم الجبهة الإسلامية.
-
سياسة الحزب الواحد والهيمنة الثقافية: حيث تم إقصاء المخالفين وتصفية المعارضين وفرض أيديولوجيا عنصرية على الدولة والمجتمع.
الاقتصاد والفساد الممنهج
دمّر نظام الجبهة الإسلامية الاقتصاد الوطني، عبر:
-
إفقار الطبقات العاملة.
-
تهريب الموارد الطبيعية.
-
تدمير المشاريع الزراعية الكبرى مثل الجزيرة.
-
خلق اقتصاد موازٍ تتحكم فيه المليشيات والشركات الأمنية.
انتهاكات حقوق الإنسان (1956–2023): سجل دموي
يرصد التقرير عشرات المجازر والانتهاكات، منها:
-
مجزرة جودة 1956.
-
انقلاب 1958 وما تبعه من قمع.
-
مذابح جوبا وواو 1965.
-
انقلاب 1969 ومجازر الجزيرة أبا 1970.
-
القمع بعد محاولة انقلاب 1975.
-
إعدام المفكر محمود محمد طه 1985.
-
مذبحة الضعين، وعمليات الرق 1988.
-
انقلاب الجبهة 1989 وما تبعه من حروب دامية في دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان.
الحق في معرفة الحقيقة
يشدد المركز على أن الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة عنصر أساسي لتحقيق العدالة والمصالحة. لا بد من:
-
التحقيق في الإخفاء القسري، التعذيب، الإعدامات الميدانية.
-
توثيق جرائم الحرب، الإبادة الجماعية، الاتجار بالبشر، واستعباد الأقليات.
-
دمج حقوق الأقليات ضمن مشاريع العدالة الانتقالية.
العنصرية والفصل العنصري في السودان
منذ الاستقلال، سعت الأنظمة المتعاقبة إلى تعزيز الانقسام العرقي والجهوي. عوضًا عن تبني التنوع والتعدد، شجعت تلك الأنظمة خطاب التفوق العرقي والديني، ما أدى إلى إشعال الحروب، وتهميش مناطق بأكملها، ونشر الجوع والمرض والجهل والاستعباد الاجتماعي.
سبل تفكيك نظام الفصل العنصري
يقترح المركز خطوات عملية لإنهاء منظومة التمييز والاضطهاد:
-
تفكيك الأجهزة الأمنية والعسكرية ذات الطابع العنصري.
-
إعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس العدالة والشفافية.
-
مواءمة القوانين مع الاتفاقيات الدولية لمناهضة التمييز.
-
تأسيس هيئة لمكافحة العنصرية والفصل العنصري.
-
محاسبة المسؤولين عن جرائم الإبادة والتطهير العرقي.
-
تمكين المجتمعات المهمشة في دوائر صنع القرار.
-
جبر الضرر للضحايا وتعويضهم بشكل عادل.
-
إصدار قوانين تُجرّم الكراهية والتمييز بكافة أشكاله.
-
حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني.
المجتمعات المستهدفة: نماذج من المعاناة
يركز التقرير على شعوب:
-
كردفان الكبرى
-
النيل الأزرق
-
إقليم الشرق
-
شعب الزغاوة في دارفور
ويصفهم بأنهم ضحايا استعمار داخلي ممنهج، تعرضوا للإبادة، الفقر، التهميش، وحرمان ممنهج من أبسط مقومات الحياة. كما يشير إلى جرائم مثل تسميم الآبار، حرق القرى، واغتصاب النساء كجزء من سياسة الأرض المحروقة.
نحو مستقبل قائم على العدالة والمساواة
يدعو المركز إلى مشروع تحولي شامل، يتضمن:
-
تفكيك مؤسسات القمع والإقصاء.
-
تأسيس نظام ديمقراطي تعددي يعترف بكافة الهويات السودانية.
-
محاسبة كل من تورط في الجرائم الكبرى دون استثناء.
-
إدماج دروس النضال العالمي ضد الفصل العنصري مثل تجربة جنوب إفريقيا.
-
الاعتماد على المواثيق الدولية كميثاق الأمم المتحدة، إعلان وبرنامج عمل فيينا، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
الأجهزة الأمنية كمنظومة قتل
يشير التقرير إلى الأجهزة الأمنية السودانية مثل جهاز الأمن والمخابرات، الأمن الشعبي، وهيئة العمليات، بأنها أدوات قمع دموي لا بد من تفكيكها ومحاكمة أفرادها على أساس المسؤولية الجنائية الفردية.
خاتمة
يشكل هذا التقرير دعوة واضحة للمجتمع الدولي وللسودانيين أنفسهم إلى اتخاذ خطوات حاسمة من أجل كشف الحقيقة، تحقيق العدالة، تفكيك منظومة القمع، وضمان عدم تكرار الفظائع. فالسودان لا يمكن أن يتعافى إلا من خلال مواجهة ماضيه بشجاعة، والاعتراف بحقوق جميع مكوناته على قدم المساواة.
تعليقات
إرسال تعليق