فهم مفهوم السلام الإيجابي: الأعمدة الثمانية للسلام الإيجابي

 


الأعمدة الثمانية للسلام الإيجابي

بقلم: الكرتي، ناشط في حقوق الإنسان

نُشر بتاريخ: 3 فبراير 2022

بصفتي مدافعًا عن حقوق الإنسان، أؤمن بأن على جميع الدول في العالم أن تراقب باستمرار وتقوّي العناصر الثمانية الأساسية للسلام. فالسلام الحقيقي لا يعني فقط غياب العنف، بل هو وجود العدالة والمساواة والرفاه الاجتماعي. ولتحقيق مجتمعات يُصان فيها كرامة الإنسان، يجب علينا التركيز على العوامل التي تُنشئ وتُحافظ على التعايش السلمي.

فهم مفهوم السلام الإيجابي

يُعبّر مفهوم السلام الإيجابي عن المواقف والمؤسسات والهياكل التي تدعم وتُرسّخ المجتمعات السلمية. وهو الأساس الذي يقوم عليه الاستقرار والحوكمة الرشيدة والتنمية البشرية والانسجام الاجتماعي.

يقيس مؤشر السلام الإيجابي (PPI)، الذي طوره معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، قوة هذه العوامل في 163 دولة، أي ما يعادل 99.7٪ من سكان العالم.

يُعد هذا المؤشر العالمي الشامل أداة عملية يمكن لصانعي السياسات والمجتمع المدني والمواطنين استخدامها لتعزيز التقدم. فتعزيز السلام الإيجابي لا يجعل المجتمعات أكثر أمانًا فحسب، بل أكثر عدلاً وازدهارًا واستدامة بيئية أيضًا.

الأعمدة الثمانية للسلام الإيجابي

حدّد معهد الاقتصاد والسلام ثمانية أعمدة مترابطة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسلام الداخلي والاستقرار. هذه الأعمدة مستندة إلى تحليل أكثر من 24 ألف مجموعة بيانات، وتشكل معًا أساسًا متكاملًا لتحقيق السلام المستدام.

1. حكومة فعّالة

وجود حكومة فعّالة وشفافة وخاضعة للمساءلة هو أساس السلام. فعندما يثق المواطنون في مؤسساتهم وتُطبّق القوانين بعدالة، يزدهر الاستقرار الاجتماعي. ويقيس هذا العمود مدى انفتاح الحكومة وفعاليتها والتزامها بسيادة القانون.

2. بيئة أعمال قوية

الاقتصاد المستقر والتنافسي يدعم السلام من خلال توفير فرص العمل وتعزيز الابتكار وضمان قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم بكرامة. وتُعتبر البيئة الاقتصادية السليمة عنصرًا أساسيًا في منع الاضطرابات وتقليل الفوارق.

3. التوزيع العادل للموارد

لا يمكن أن يزدهر السلام في ظل عدم المساواة. إن الوصول العادل إلى التعليم والرعاية الصحية والفرص يعزز العدالة والتماسك الاجتماعي. ويقيس هذا العمود مدى عدالة توزيع الموارد والفرص داخل المجتمع.

4. احترام حقوق الآخرين

في جوهر السلام يكمن احترام حقوق الإنسان. فالدول السلمية تضمن، من خلال القوانين والأعراف الاجتماعية، حماية جميع الأفراد بغضّ النظر عن الجنس، أو العرق، أو الدين، أو الوضع الاجتماعي. تقليل التمييز وعدم المساواة هو مفتاح تحقيق السلام الدائم.

5. علاقات طيبة مع الجيران

تُعد العلاقات الإيجابية بين الدول أو داخل المجتمع بين المجموعات الثقافية والدينية والإثنية عاملًا رئيسيًا للاستقرار. فالتعاون والتفاهم المتبادل يعززان الثقة ويقللان من احتمالات النزاع.

6. تدفق حرّ للمعلومات

الحق في الوصول إلى المعلومة ركيزة أساسية للتمكين. فالإعلام الحر والمستقل يتيح للمواطنين اتخاذ قرارات مستنيرة ومحاسبة السلطة. إن الشفافية في تداول المعلومات تبني الثقة وتساعد المجتمعات على التعامل بعقلانية في أوقات الأزمات.

7. مستويات عالية من رأس المال البشري

التعليم والصحة وتنمية المهارات هي القلب النابض لأي أمة مزدهرة. عندما يتمتع الناس بالمعرفة والصحة والمشاركة الفاعلة، فإنهم يسهمون في الاستقرار والابتكار والتماسك الاجتماعي.

8. انخفاض مستويات الفساد

الفساد يقوّض الثقة ويهدر الموارد ويؤدي إلى الحرمان من الخدمات الأساسية. وعندما تكون مستويات الفساد منخفضة، تزدهر العدالة وتتعزز ثقة المواطنين في المؤسسات وتتحسن كفاءة الاقتصاد والحكم.

دعوة إلى العمل

بصفتي ناشطًا في حقوق الإنسان، أؤمن بأن السلام حقّ أساسي وليس امتيازًا. يجب على الحكومات والمؤسسات ألا تكتفي بإنهاء النزاعات، بل أن تبني الهياكل التي تمنع عودتها.

إن مراقبة وتعزيز هذه الأعمدة الثمانية يجب أن يكون أولوية عالمية. فكل دولة، مهما كان حجمها أو ثروتها، تتحمّل مسؤولية تقوية الشفافية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين مواطنيها.

يقدّم إطار السلام الإيجابي طريقًا واقعيًا وإنسانيًا في الوقت ذاته نحو مستقبل يسوده الاستقرار والكرامة. ومن خلال تبنّي هذه المبادئ، يمكن للعالم أن يقترب أكثر من هدفه الأسمى: عالم يعيش فيه كل إنسان بحرية وكرامة وسلام.

بقلم: الكرتي، ناشط في حقوق الإنسان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أدلة على القتل الجماعي والتخلص من الجثث في مقبرة جماعية قرب مستشفى الأطفال السابق في الفاشر

حسن البرهان، شقيق عبد الفتاح البرهان، جمع ثروة طائلة تقدر بأكثر من 93 مليون دولار أمريكي

تقارير دولية وأبحاث مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل، وبوضوح من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية : الجنجويد والحكومة التأسيسية ينقلان جثث الضحايا إلى الصحارى لطمس الأدلة