تصاعد المأساة الإنسانية في السودان: مجتمعات تُفقد أبناءها وأخرى تنعم بالأمان بقلم: الكرتي – ناشط حقوقي

 


تصاعد المأساة الإنسانية في السودان: مجتمعات تُفقد أبناءها وأخرى تنعم بالأمان

بقلم: الكرتي – ناشط حقوقي

في السنوات الأخيرة، شهدت مجتمعات النوبة، الزغاوة، المساليت، الفور، الرزيقات، المسيرية، وسائر سكان دارفور، جنوب النيل الأزرق، وكردفان الكبرى موجات متصاعدة من الفقد والمأساة.
القرى امتلأت بأطفالٍ يتامى، ونساءٍ أرامل، وأمهاتٍ ثكالى؛ فالحروب العبثية التي زُجّ بأبنائهم فيها تحت شعارات زائفة، حوّلت مدنهم ووديانهم إلى ساحات دم ودموع.
كل بيتٍ هناك يحمل حكاية وجعٍ، وكل قبيلةٍ تئنّ من فقد رجالها الذين كانوا عمادها وحُماة مجتمعها.

في المقابل، نجد أن مجتمعات الجعليين، الشايقية، المناصير، المحس، وسكان الجزيرة والشمالية ونهر النيل تكاد تخلو من مثل هذه المآسي؛ فبينهم لا تُوجد نسب تُذكر من الأرامل واليتامى، إذ لم تُزَجّ أبناؤهم في تلك الحروب التي التهمت أرواح الأبرياء من غيرهم.

هذا التفاوت الفادح لا يمكن أن يُقرأ كقدرٍ أو صدفةٍ عابرة، بل هو نتيجة منظومة جائرة كرّست الحروب في مناطقٍ بعينها، واستبقت الأمان والرخاء لمناطق أخرى. لقد صار الفقر والموت واليُتم قدراً مكتوباً على بعض المجتمعات، بينما تُمنح مجتمعات أخرى حق الحياة والأمن وكأنها وُلدت لتعيش على حساب دماء غيرها.

إن هذا الوضع المختل يُهدد البنية الاجتماعية والإنسانية في السودان، ويغرس بذور الغضب والانقسام إلى أجيال قادمة.
ولن يتحقق السلام العادل إلا حين تُرفع هذه المعاناة غير المتكافئة، ويُعاد توزيع العدالة والأمن والكرامة بين أبناء الوطن جميعاً دون تمييزٍ قبلي أو جهوي أو عرقي.

فكما لا يجوز أن يُورّث بعض السودانيين المجد والرخاء، لا يجوز أن يُورّث آخرون الدموع واليُتم والفقد الأبدي.
العدل وحده هو الطريق نحو السودان الإنساني الذي يحلم به الجميع — سودان تتساوى فيه الأرواح قبل أن تتساوى الأقاليم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أدلة على القتل الجماعي والتخلص من الجثث في مقبرة جماعية قرب مستشفى الأطفال السابق في الفاشر

حسن البرهان، شقيق عبد الفتاح البرهان، جمع ثروة طائلة تقدر بأكثر من 93 مليون دولار أمريكي

تقارير دولية وأبحاث مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل، وبوضوح من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية : الجنجويد والحكومة التأسيسية ينقلان جثث الضحايا إلى الصحارى لطمس الأدلة